القضاء الإستعجالي
1- تعريف القضاء الاستعجالي
القضاء الاستعجالي فرع من القضاء المدني ويقصد به الفصل في المنازعات التي يخشى عليها فوات الوقت فصلا مؤقتا لا يمس اصل الحق وإنما يقتصر على الحكم باتخاذ إجراء وقتي ملزم للطرفين بقصد المحافظة على الأوضاع القائمة أو احترام الحقوق الظاهرة وصيانة مصالح الطرفين المتنازعين.*1
فالقضاء الاستعجالي إذا هو قضاء من نوع خاص يمتاز بالسرعة وقصر اجل الإجراءات وعدم المساس بأصل الحق.*2
2- الجهة المختصة للبث في القضايا الاستعجالية
المختص أساسا هو رئيس المحكمة الابتدائية للبث في القضايا الاستعجالية وإذا عاقه عائق تولى هذه المهمة أقدم القضاة لدى المحكمة الابتدائية وقد أناط الفصل 149ق.م.م للنظر في القضايا الاستعجالية برئيس المحكمة الابتدائية لما في اتخاذ الأوامر الاستعجالية من خطر وأهمية باعتبار أن رئيس المحكمة الابتدائية يكون اقدر من غيره في اتخاذ القرار العادل و الصائب. وتجدر الإشارة إلى انه ليس هناك ما يمنع الرئيس من أن ينيب عنه في القضايا الاستعجالية اكفا القضاة ولو لم يكن أقدمهم. على انه يلاحظ أن الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية أعطى الاختصاص للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في الحالة التي يكون فيها النزاع في الأصل معروضا على محكمة الاستئناف وهو اختصاص مؤقت يبتدئ باستئناف قضية الموضوع وينتهي بصدور القرار الاستئنافي لكن وجب ملاحظة أن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف لا يختص بالنظر في إيقاف التنفيذ مهما كانت حال الاستعجال متوفرة* 3والاوامر الاستعجالية الصادرة عن الرئيس الأول لا تقبل الاستئناف وإنما يطعن فيها بالنقض كباقي القرارات الصادرة عن محكمة الاستئناف.*4
3- شروط اللجوء الى القضاء الاستعجالي
بالرجوع إلى مقتضيات الفصلين 149 و 152 من قانون المسطرة المدنية فانه يمكن اللجوء إلى القضاء الاستعجالي كلما توفر في النازلة شرطان :
-الشرط الأول :الاستعجال.
ا – تعريفه :
لم يعرف المشرع المغربي كغيره من المشرعين الاستعجال وحسنا فعل المشرع ما دام التعريف التشريعي من شانه عرقله تطور المعرف وقد اكتفى بتعداد بعض الحالات التي تتصف بالاستعجال والتي تتخحذ كمثال لغيرها ، غير أن الفقه حاول تعريف الاستعجال ” بأنه الخطر الحقيقي المحدق بالحق المراد المحافظة عليه والذي يلزم درؤه عنه بسرعة لا تكون عادة في القضاء العادي ولو قصرت مواعده”*5
وعرفه البعض بأنه الضرورة الملحة التي لا تحتمل التأخير.
وخلاصة القول أن الاستعجال هو ” الحالة التي يكون فيها الحق معرضا للخطر المحدق و المحقق وان كل تأخير في اتخاذ إجراء وقائي عاجل يعرضه لخطر يصعب معه تداركه بعد ذلك.”
من هذا كله يتضح أن الاستعجال هو حالة موضوعية تتعلق بالحق المطلوب حمايته لا شخصية تتعلق بطالب الإجراء وتقدير حالة الاستعجال مسالة موضوعية تخضع للسلطة التقديرية لقاضي المستعجلات الذي له كامل الصلاحية في استشفاف حالة الاستعجال من دراسة القضية وملابساتها وفائدة لاستجابة لطلب المدعي ولا رقابة للمجلس الأعلى في ذلك على القاضي شرط تعليل قضائه بالقبول أو الرفض تعليلا كافيا واضحا.*6
ب – طبيعة حالة الاستعجال :
السؤال الذي يطرح هنا هل يشترط لاختصاص قاضي المستعجلات أن تستمر حالة الاستعجال إلى حين صدور الأمر ؟ هناك جانب من الفقه ذهب إلى القول بان حالة الاستعجال وجب أن تستمر إلى حين صدور الأمر وإذا زال الاستعجال أصبح قاضي المستعجلات غير مختص *7 وهناك من يرى انه يكفي أن تتحقق حالة الاستعجال عند رفض الطلب.
الشرط الثاني : “عدم المساس بأصل الحق”
عدم المساس بأصل الحق هو شرط لاختصاص قاضي المستعجلات وقيد على سلطته في نفس الوقت وعليه إذا ما رفعت دعوى مستعجلة ماسة بأصل الحق فان القاضي وجب عليه أن يحكم بعدم اختصاصه كان ترفع أمامه دعوى إثبات تزوير عقد أو طلب استحقاق ملكية.*8
وينتج عن وجوب امتناع القاضي المستعجل عن المساس بأصل الحق انه لا يجوز له أن يقضي بتوجيه اليمين الحاسمة أو يحقق الادعاء بالتزوير ، ولكن يمكن أن يأمر بإجراء معاينة أو خبرة إذا كان من شان هذا الإجراء التحقق من توافر ركن الاستعجال .
و المقصود بأصل الحق الذي يخرج عن الاختصاص قاضي المستعجلات المساس به ، هو السبب القانوني الذي يحدد حقوق والتزامات الطرفين إلا أن شرط عدم المساس بأصل الحق لا يمنع قاضي المستعجلات من الإطلاع على الحجج والوثائق التي يدلي بها الأطراف ليصل على ضوئها إلى اتخاذ الأمر الصائب ولكنه لا يقيم هذه الحجج ولا يتعرض لها إثباتا أو نفيا أو صحة أو إبطالا.
والمساس بأصل الحق يخضع للسلطة التقديرية لقاضي المستعجلات التي لا رقابة للمجلس الأعلى عليه فيها شرط أن يعلل تعليله تعليلا كافيا *9 وقد قضى المجلس الأعلى في إحدى قراراته ” أن محكمة الاستئناف هي الأخرى إما أن تأمر بإغلاق النافذتين كإجراء وقتي اقتضته حالة الاستعجال أو تصريح بعد اختصاصها بالنظر في الدعوى ولما لم تفعل وقضت برفض الدعوى بعلة عدم وجود الضرر من إحداث النافذتين ،تكون قد فصلت في جوهر النزاع المتمثل في وجود أو عدم وجود الضرر وتعدت حدود قاضي المستعجلات”*10
4- المواد المستعجلة و المسطرة المتبعة من طرف رئيس المحكمة :
أ- المواد المستعجلة :
لم يحدد المشرع المواد المستعجلة وإنما أعطى مثالا للقضايا المستعجلة والتي ينظر فيها على استعجال بعدما أعطى المعيارين الأساسيين لاختصاص قاضي المستعجلات ومن الأمثلة التي أعطاها المشرع في الفصل 149 ق م م الصعوبات المتعلقة بالتنفيذ،الأمر بالحراسة القضائية ، اتخاذ أي إجراء تحفظي للحفاظ على الحق بإجراء الحجز التحفظي على منقول أو عقار ، إجراء معاينة ، اثبت حالة الفصل 554 قلع أو الاستماع إلى شاهد على وشك سفر بعيد أو في حالة مرض خطير أو استجواب شخص أو طلب العدول عن أمر اتخذ في نطاق الفصل 148 من قم م وعلى العموم كل إجراء مؤقت يحافظ على حق من الضياع ولا يغير من المراكز القانونية لأطراف النزاع.*11
ب – المسطرة المتبعة من طرف رئيس الحكمة :
المسطرة الخاصة بالاستعجال تخضع لذات القواعد والاجراءات المطبقة في الدعاوى عادة مع مراعاة الملاحظات التالية :
1- تعيين جلسات الدعاوى المستعجلة وأيام انعقادها ووقتها مقدما من طرف رئيس المحكمة.*12
2- في حالة الاستعجال القصوى يمكن أن يقدم الطلب في غير الأيام والساعات المعينة للقضاء المستعجل وذلك في مقر قاضي المستعجلات بالمحكمة وقبل التنفيذ في سجل كتابة الضبط و حتى في منزل القاضي وعندها يعين القاضي فورا اليوم والساعة التي ينظر فيها الطلب ويمكن له تعيين جلسة حتى في أيام العطل .*13
3- يقع استدعاء المدعى عليه طبقا للقواعد المنصوص عليها في الفصول 37 و 36 و 39 من قانون المسطرة المدنية الا في حالة الاستعجال القصوى..
4- الأوامر الصادرة عن قاضي المستعجلات قابلة للتنفيذ المعجل بقوة القانون إلا إذا تم تقييده من طرف القاضي بكفالة.
5- لا يجوز الطعن في الأوامر الاستعجالية بالتعرض ولكن تقبل بالاستئناف خلال 15 يوما من تاريخ تبليغ الأمر.
6- تعرض الغير الخارج عن الخصومة أو إعادة النظر في القرارات الاستعجالية فقد استساغ القضاء التعرض بشأنها كما أن الأوامر الاستعجالية تقبل الطعن بالنقض.
7- إذا كان الحكم الذي يصدره قاضي المستعجل في الطلب المعروض عليه لايحتمل رفع الدعوى إلى محكمة الموضوع ،أو كان النزاع انتهى صلحا بين الطرفين اختصر القاضي المستعجل في المصاريف أما إذا كان الحكم المستعجل يحتمل معه طرح النزاع أمام محكمة الموضوع كما هو الحال في إثبات الحالة أو دعاوى الحراسة فانه يتعين على القاضي المستعجل أن يبقى الفصل في المصروفات إلى أن تقع تصفيتها مع المصاريف المتعلقة بالجوهر.
خاتمــــــــة :
إن القضاء الاستعجالي يبث في ظاهرة الحال و الهدف منه السرعة مع المحافظة على مراكز الأطراف القانونية وهو ذو طبيعة موضوعية لا شخصية وعلى القاضي الاستعجالي أن يقدر هل هناك حال الاستعجال أو لا مع تعليل حكمه الذي يكون له قوة الشيء المقضي به مادام يبث فقطة في إجراء وقتي.
الهوامـــــــش:
1- راجع في هذا الصدد الوجيز في القانون القضائي الخاص الجزء الأول الطبعة الثانية 1992 للدكتور الطيب لفصيلي الصفحة 99.
2- انظر في هذا الصدد شرح قانون المسطرة المدنية عبد العزيز توفيق الجزء الأول ص 331.
3- نفس المرجع.
4- الفصل 436 ق م م .
5- محمد علي راتب ومن معه : قضاء الأمور المستعجلة ج 1 ص 5 ط 586 –
6- عبد العزيز توفيق ، شرح قانون المسطرة المدنية و التنظيم القضائي الجزء الأول الصفحة 327.
7- راجع في هذا الصدد عبد العزيز توفيق شرح قانون المسطرة الدنية و التنظيم القضائي للمملكة ص327.
8- الوجيز في القانون القضائي الخاص الجزء الأول ط الثانية 1992 ص 102.
9- شرح قانون المسطرة لدنية و التنظيم القضائي عبد العزيز توفيق الجزء الأول ص 309.
10- قرار عدد 2140 صادر بتاريخ 28/11/84 منشور في مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 37-38 ص 16.
11- شرح قانون المسطرة المدنية و التنظيم القضائي ، عبد العزيز توفيق الجزء الأول ص 330.
12- الوجيز في القانون القضائي الخاص الجزء الأول ط الثانية ص 106-107
13- الفصل 150وما يليه من قانون المسطرة المدنية المغربي.
إعداد:ذ/كمال زين العابدين