تقرير تركيبي حول مهنة المحاماة


تقرير تركيبي حول مهنة المحاماة

ظهرت مهنة الدفاع منذ ان وجدت الخصومة. وهي مهنة مرتبطة ارتباطا لصيقا بنصرة الحق والدفاع عن المظلوم وإرساء دولة القانون والمؤسسات. كما تعد هذه المهنة معقلا للدفاع عن الحرية وعن استقلال القضاء. و حق الدفاع حق مقدس من الحقوق الاساسية للانسان يقاس به مستوى الديموقراطية في المجتمع.
ومن هذا المنطلق لم تكن مهنة المحاماة في يوم من الأيام مهنة غذائية بل هي رسالة إنسانية سامية، شريفة ونبيلة، رسالة مبادئ ومواقف تساهم في دعم العمل الديمقراطي في المجتمع. ومن تم كان يشترط دائما وأبدا في الراغب في تحملها وتحمل مخاطرها ان تكون له الموهبة و ان يتمتع بخصال الشجاعة الأدبية والجرأة والذكاء والفطنة وسرعة البديهة وما يعرف ” بالحضور” والالمام بالقوانين وبقدرة الجدال بالتي هي احسن وقدرة الاقناع إلى جانب خصال الصدق والنزاهة والاستقامة والشر ف.
و المحاماة امانة و مسؤولية و لا غرابة في ذلك اذ يعيش المحامون يوميا آلام وآمال الموطنين و هم مسؤولون عن الدفاع عن كرامة الانسان و رد الحقوق لاصحابها و دفع الاتهام الباطل عنهم و مراقبة التشريع و مناقشته و انتقاذه و اقتراح البدائل والمساهمة في تطوير المجتمع بهدف تحقيق تقدمه و امنه و استقراره الى جانب المهام الاخرى الملقاة على عاتق المحامي.
ومن تم كان للمحامين و لا يزال إسهامات قوية في بسط العدالة وتحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في المجتمع و كان للكثير منهم نصيب الأسد في تقلد المناصب العليا ذات المسؤولية. ومن اطلع على التشكيلات الوزارية التي انطلقت في المغرب منذ فجر الاستقلال إلى اليوم مثلا سيكون له تصور عن ذلك. و قد كان الامر دائما و ابدا على هذا النحو في الدول الأخرى حيث كان المحامي مبجلا مدللا إلى درجة قول فولتير ” كنت اتمنى ان اكون محاميا لان المحاماة اجل مهنة في العالم”.
وإذا كانت هذه المهنة رسالة مقدسة، فإن تحملها والدفاع عنها لا يقتصر على الرجال دون النساء اذ نجد نسبة النساء اللواتي يزاولنها في فرنسا مثلا تصل اليوم الى 50%.
وإذا كنا اليوم نجد الامر طبيعيا فإنه لم يكن على ذلك المنوال الى غاية القرن الماضي اذ لم يكن يسمح للمرأة في فرنسا مثلا بان تدافع حتى عن نفسها إلا بحضور زوجها. و قد حاولت سنة 1897 السيدة جان شوفان ولوج مهنة المحاماة حيث طلبت أداء اليمين القانونية أمام محكمة الاستئناف بباريز الا ان محاولتها باءت بالفشل حيث رفضت هذه المحكمة قبول طلبها بعلة ان القانون لا يسمح للمرأة بان تزاول مهنة المحاماة، هذه المهنة التي كانت منذ قرون ذكورية فقط. وقد انتظرت المرأة الفرنسية الفاتح من دجنبر 1900 ليقوم السيدين بوانكاري وفيفياني بفرض التصويت على قانون يسمح للمرأة بمزاولة مهنة المحاماة و كانت اولكا بوتي ( (Olga Petit اول امرأة ولجت المحاماة. بل اكثر من ذلك فان دورية 1892 كانت تمنع على النساء بصفة عامة ارتداء السروال وكان و لا بد من انتظار سنة 1909 ليتم التنصيص على ان ارتداء السروال لا يشكل جنحة بالنسبة للمرأة التي تسوق الحصان او الدراجة النارية و بقي المنع على ما هو عليه بالنسبة للباقي. الا ان العادة انتشرت سنة 1920 ليصبح ارتداء السروال عادي بالنسبة للنساء سنة 1960.
و للمقارنة فقط فان المحاميات القبرصيات كانت مجبرات على ارتداء كسوة كلاسيكية و قميص ابيض ( tailleur classique et chemisier blanc ) كما كانت ممنوعات من ارتداء السروال. و بقي الامر على هذا النحو حتى بداية سنة 2005 حيث تم السماح لهن بارتداء السروال شريطة ان يكون كلاسيكيا و قاتم اللون.
اما في إيطاليا فإن مجلس هيئة المحامين بتوران كان هو السباق سنة 1883 لاتخاذ قرار يسمح للمرأة بالتسجيل في سلك المحاماة. ولكن هذا القرار ألغي من قبل محكمة الاستئناف و تم تأييد القرار الاستئنافي من قبل محكمة النقض باعتبار ان المساواة نسبية وان هناك تباينات ضرورية بين الرجل و المرأة.
وقد ضل الامر بين أخذ ورد وبقيت الامور على حالها إلى ما بعد سنة 1920 حيث ولجت ليديا بوويت ( Lidia Poët ) مهنة المحاماة.
أما في كندا فإن دراسة القانون كانت مفتوحة في وجه الرجال فقط. وكان ولا بد من انتظار يوم 29 أبريل 1941 ليتم تغيير قانون الكيبيك. وكان الفصل 28 من قانون 25 أكتوبر 1917 ينص على أنه ” لا يمكن ان يقبل لدراسة القانون إلا البريطاني من جنس ذكوري” ورغم الطلبات المتعددة للسيدة لانكسطاف ( Langstaff ) والسيدة فلورانس سيمول بيل واليزابيط مونك ( Florence Symour Bell, Elizabeth C. Monk ) فإن مطالبتهن للالتحاق بمعاهد لدراسة القانون كانت ولمدة ثلاثين سنة تقابل بالرفض القاطع.
وفي نفس الوقت فإن ايوا (iowa ) في الولايات المتحدة كانت أول ولاية قبلت أول امرأة لولوج كلية الحقوق سنة 1869. الا ان الملاحظ كذلك انه في سنة 1920 ومن مجموع 129 معهد للقانون 27 منهم كانت لازالت مقفلة في وجه النساء.
اما فيما كان يعرف بالكندا الانجليزي وبعد ست سنوات من المعارك المستمرة والمسترسلة فإن السيدة كلارا بريت مارتان ( Clara Brett Martin ) أصبحت أول امرأة محامية بفضل قانون خاص تم التصويت عليه بالبرلمان الانطاري ( Otarien ) بتاريخ 2/2/1897.
وبقيت المناطق الكندية الأخرى تتبع تدريجيا نفس النهج وبقيت منطقة طيرنوف (Terreneuve) هي المنطقة ما قبل الأخيرة التي سمحت للنساء بمزاولة مهنة المحاماة سنة 1933 ليبقى الكيبيك هو الأخير إلى غاية سنة 1941. والنساء لم تدخلن المحاماة من بابها الواسع في الكيبيك إلا بصعوبة وبصوت واحد زكى الأغلبية داخل المجلس العام لهيئة المحامين سنة1942.
و بتاريخ 3 دجنبر 1888 كانت اول امراة تقدمت بطلب اداء اليمين القانونية لممارسة مهنة المحاماة ببروكسيل ببلجيكا هي الاستاذة ماري بوبلين. و رغم ان هذه الاخيرة كانت حاصلة على الدكتورة في الحقوق فان محكمة الاستئناف رفضت طلبها بتاريخ 11 نونبر 1889 بعلة ان المشرع لم يقنن امكانية السماح للمرأة بممارسة مهنة المحاماة. و بقيت المعنية بالامر تناضل من اجل حقوق المرأة الى ان توفيت يوم 5 يونيو 1913 منهكة بالمعارك و النضال التي كانت تقوده. و لم يسمح للمرأة في بلجيكا بولوج مهنة المحاماة الا سنة 1922.
وفي المملكة العربية السعودية لازال المنع قائما بالنسبة للنساء إلى يومنا هذا ولم يسمح لهن بمزاولة مهنة المحاماة إلا في سنة 2004 و سوى داخل مكاتب نسائية مستقلة داخل مكاتب المحاماة لمزاولة أعمالهن كمستشارات قانونيات يتعاملن مباشرة مع قضايا النساء دون امكانية الحضور او الوقوف او الترافع امام القضاة. و بامكانهن تحرير المذكرات الدفاعية المتعلقة بالنساء شريطة ان تقدم هذه المذكرات و ان تتم المرافعة من قبل المحامين الذكور.
وفي المغرب كان يمنع ابان عهد الحماية على المغاربة ذكورا ام نساء مزاولة مهنة المحاماة بحيث كانت هذه المهنة مخصصة فقط لحاملي الجنسية الفرنسية او لجنسية أجنبية (الفصل 34 من ظهير 12 غشت 1913 بخصوص المسطرة المدنية ) ولم يسمح للمغاربة بولوج مهنة المحاماة و مزاولتها امام المحاكم الفرنسية إلا بمقتضى ظهير 10 نونبر 1924 المتعلق بتنظيم هيئة المحامين و مزاولة مهنة المحاماة.
و كانت المرأة محجورة أبيها او زوجها او وليها…و لم يكن يسمح لها حتى برؤية زوجها قبل الزواج حيث كان المثل الشعبي يقول بان “المرأة تخرج مرتين في عمرها ، مرة لبيت زوجها و مرة لقبرها”. و عانت المرأة المغربية كباقي النساء في العالم من الحيف و التهميش.
و كانت اول امرأة مغربية التحقت بهيئة المحاميين بالرباط كمحامية متمرنة سنة 1963 ليتم تسجيلها في الجدول بتاريخ 11 شتنبر 1966 هي الاستاذة نجاة الشرايبي برادة تبعتها بعد ذلك الاستاذة لطيفة بودخيل الفلوس التي التحقت كمتمرنة سنة 1965 و تم تسجيلها بالجدول بتاريخ 16 دجنبر 1968 لتتبعهما فيما بعد محاميات اخريات كالاستاذة عائشة بنمسعود ( 4 يناير 1969 ) و حميدة الصائغ ( 22 شتنبر 1969 ) و عائشة العلوي الشدادي ( 4 يونيو 1971 ) و فتيحة ابو زيد ( 17 دجنبر 1971 ) و فاطمة ضاكة الدكالي ( 29 مارس 1974 ) و لطيفة المانوني ( 14 مارس 1975 )، الخ. و كانت اول محامية تقلدت منصب العضوية في مجلس هيئة المحامين بالرباط من سنة 1980 الى غاية سنة 1982 تم من سنة 1983 الى غاية سنة 1985 هي الاستاذة فتيحة ابو زيد.
و قد صرحت احدى البرلمانيات المغربيات بتاريخ 2 فبراير 2005 على اثر ندوة البرلمانيات العربيات ببيروت بان نسبة النساء في قطاع المحاماة وصلت بالمغرب الى 48%. و رغم انني لا اتوفر شخصيا على احصائيات رسمية عامة و دقيقة فانني اظن بان هذه النسبة مبالغ فيها شىء ما و لا تعكس الحقيقة.
و ساتناول بالدرس المعطيات التقريبية التي اتوفر عليها و المتعلقة بمدينة الرباط حيث التحق اول مغربي بمهنة المحاماة سنة 1949 و هو الاستاذ محمد البوحميدي الذي تقلد منصب نقيب هيئة المحامين بالرباط من سنة 1969 الى سنة 1971 . و كانت نسبة النساء في قطاع المحاماة بمدينة الرباط بالنسبة للمسجلات بالجدول ( حسب آخر جدول ) على الشكل التالي :
– من سنة 1949 الى سنة 1965 : 0% من النساء و 100% من الرجال.
– من سنة 1966 الى سنة 1970 ( خمس سنوات ): التحقت 4 نساء و 48 من الذكور اي ان نسبة النساء كانت هي 8% بينما نسبة الرجال كانت 92%.
– من سنة 1971 الى سنة 1980 ( عشر سنوات ): التحقت 9 نساء و 69 من الرجال اي بنسبة 12% للنساء و 88% للذكور.
– من سنة 1981 الى سنة 1990 ( عشر سنوات ) : التحقت 78 من النساء و 277 من الرجال اي بنسبة 22 % للنساء و 78% للرجال.
– من سنة 1991 الى سنة 2000 ( عشر سنوات ) : التحقت 134 من النساء و 276 من الذكور اي بنسبة 33 % للنساء و 67% للذكور.
– من 2001 الى 2004 ( اربع سنوات ) التحقت 49 من النساء و 112 من الذكور اي بنسبة 30% للنساء و 70 % الذكور.
و بالنسبة للمسجلين في لائحة التمرين من 2001 الى غاية 2004 فان عدد النساء بلغ 37 امرأة بينما عدد الذكور و صل الى 52 رجل اي بنسبة 42 % للنساء و 58 % للرجال.
اما بالنسبة لمجموع المسجلين في الجدول من سنة 1949 الى غاية نهاية سنة 2004 فان الجدول ( و بغض النظر عن الوفايات او الاستقالات، الخ ) يتضمن الان 1045 منها 773 من الرجال و 272 من النساء اي بنسبة 26 % للنساء و 74 % للرجال.
و لم تقتصر المغربيات على ممارسة مهنة المحاماة داخل المغرب بل خرقن الحدود ليمارسن المهنة في بلدان اخرى كالاستاذة عائشة انصار الراشدي المسجلة بجدول المحامين بباريزمنذ يناير 1977 ( و هي من المناضلات من اجل اقرار حقوق المرأة ) او لتقلد منصب وزاري كالاستاذة ياسمينة بادو التي بدأت مشوارها بهيئة المحامين بالرباط او لتقلد منصب برلماني او رئيسة فريق برلماني كالاستاذة فطوم قدامى المحامية بهيئة الرباط و غيرهن كثير.
و خلاصة القول انه بعد ازيد من عشرين سنة من الممارسة في هذا القطاع فان بامكاني الجزم على ان المحامية المغربية تشرف المرأة المغربية و تشرف المرأة العربية و تشرف المرأة بصفة عامة اينما كانت.
فتحية للمحامية المغربية و تحية للمرأة المغربية و تحية للمرأة اينما حلت او ارتحلت.

الرباط في فاتح مارس 2005

خالد خالص


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

 أمين البقالي: ماهية الحريات العامة 

ماهية الحريات العامة   أمين البقالي طالب باحث في العلوم القانونية بكلية الحقوق اكدال مقدمـــــة: موضوع ...