القتل كمانع من موانع الإرث
نص المشرع المغربي في المادة 333 من مدونة الأسرة على أنه: “من قتل موروثه عمدا، وإن أتى بشبهة، لم يرث من ماله، ولا ديته، ولا يحجب وارثا”، وأضاف في الفقرة الثانية من نفس المادة “من قتل موروثه خطأ ورث من المال دون الدية وحجب”.
يتبين بمقارنة هاته المادة مع التشريعات الحديثة أنها لم تعد تساير بأية حال تطور العصر في الميدان الجنائي، حيث لم تشر سوى لجريمة القتل كسبب مانع من الإرث، بل حتى في إطار هذه الجريمة الوحيدة التي ذكر المشرع، فإنه لم يكن لا جامعا ولا مانعا، فماذا عن الذي لم يصدر في حقه حكم بالإدانة بعقوبة جنائية لقتله موروثه؟ هل من العدل ان يُعاقب بشبهة كما نص على ذلك؟ ماذا عن الذي أدين بالمشاركة فقط في قتل مورثه؟ ماذا عن الذي أدين بعقوبة جنائية لمحاولته قتل مورثه؟ ماذا عن الذي أدين بعقوبة جنائية للضرب والعنف المؤدي للوفاة بدون نية وقصد؟ هل يدخل في الفقرة الثانية للمادة 333 الخاصة بالقتل الخطأ ومن تم يحق له الإرث في مال مورثه دون الدية ويحجب؟
لقد نص على القتل كجناية، ولم يذكر شيئا عن الجنح التي تؤدي لنفس النتيجة، فماذا عن الذي أدين فقط بعقوبة جنحية لقتله المورث؟ ماذا عن الذي أدين بعقوبة جنحية لارتكابه عنفا بحق المورث أدى الى وفاته بغير قصد؟ ماذا عمن أدين بحكم قضائي لإدلائه بشهادة زور ضد الهالك في مسطرة جنائية؟ ماذا عن الذي أدين لامتناعه عن منع جريمة ضد المورث ادت لوفاته، حيث كان يمكنه منع الاعتداء دون أي خطر عليه أو على الغير؟ ماذا عن الذي أدين بالوشاية الكاذبة ضد مورثه، حيث قضى بسببها عقوبة جنائية؟
كما ان المادة تثير مجموعة من الإشكالات الأخرى المتعلقة بتنزيلها في أرض الواقع، ولم يتعرض لها المشرع بأية إشارة، فماذا عن الذي أدين بجريمة من الجرائم المذكورة لكن الدعوى العمومية لم تمارس ضده أو سقطت لوفاته؟ وماذا عن الأجل الذي يجب ان تمارس داخله دعوى منع الوارث من الإرث؟ وماذا عن الحالة التي لا يوجد فيها وارث آخر يرفع الدعوى؟ وماذا عن اليوم الذي يجب أن تُرد فيه الثمار والمداخيل التي حازها الوراث الممنوع من الإرث؟ وماذا عن الحالة التي يصرح فيها المورث صراحة انه يريد أن يحتفظ للوارث بحقه في الارث رغم أفعاله الشنيعة في حقه؟ وماذا عن أبناء وفروع الوارث الذي تسبب في موت المورث (حتى لا اقول القاتل)؟ هل سيعاقبون بجريرة ابيهم، أم تُقاس حالتهم على فروع الأصل الذي مات قبل أو مع مورثه؟
تحتاج هاته الأسئلة المطروحة الى أجوبة تشريعية، فإذا كان يلوح في الأفق مشروع لتعديل مدونة الأسرة، يجب أن يكون التعديل شاملا يلامس جميع المواد التي تقتضي التعديل والمراجعة، وليس مسألة بعينها (نصيب البنت) دون غيرها. حيث بدأنا بالقسم الأول من كتاب الميراث الخاص بأسباب الإرث وشروطه وموانعه، لنعرض فيما يلي لبعض المقترحات التشريعية التي من شأنها تطوير المادة 333 من مدونة الأسرة ومواكبتها لمستجدات العصر فيما يتعلق بالجنايات والجنح:
أولا: الجنايات
1- خصوص الذي أدين كفاعل أصلي لقتله موروثه عمدا: ذكر المشرع فقط من قتل موروثه عمدا، ولا يؤكد صراحة ان الامر يتعلق بصدور حكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به يقضي بإدانة الوارث بعقوبة جنائية لقتله موروثه عمدا، بل على العكس من ذلك نص على أنه يُعاقب على مجرد شبهة قتل، وهذا أمر فعلا يجب مراجعته ولا يُمكن السكوت عليه، بحيث يجب تعديل المادة بشكل تنص صراحة على ان الامر يتعلق بالذي أدين بعقوبة جنائية لقتله موروثه عمدا، لأن هناك فرق بين القاتل الذي أدين بعقوبة جنائية، والقاتل الذي أدين بعقوبة جنحية، والمتهم الذي لم يُدن قضائيا أصلا، كما يجب حذف عبارة “وإن أتى بشبهة”، التي تفيد، فيما قد تفيد، معاقبة الذي لم يقم الدليل على قتله مُورثه. فمتى كان المشرع يُعاقب من لم تثبت الجناية في حقه، متى تغير الأصل ان المتهم بريء الى أن تثبت إدانته. كما ان شرط الإدانة يجب اشتراطه وتوفره بخصوص باقي الجرائم والجنح الاخرى المذكورة، وليس ذكر المشاركة والمحاولة مثلا بإطلاق ودون تقييدها بصدور حكم بالإدانة.
2- بخصوص الذي أدين بالمشاركة في قتل موروثه: في مدونة الاسرة المغربية سيفلت الشريك من العقاب، لذلك يجب على المشرع المغربي أن يسوي بين الفاعل الأصلي والشريك فيما يتعلق بعقوبة الحرمان من الإرث للقتل العمد، وأن ينص على ذلك صراحة، فالذي أدين بالمشاركة في جريمة قتل مورثه هو أيضا ممنوع من الإرث في مال المورث وجوبا لا جوازا، بمعنى لا يخضع حرمانه من الميراث للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع.
3- بخصوص الذي أدين بعقوبة جنائية لمحاولته قتل مورثه: يبدو أنه يحق في التشريع المغربي لمن حاول قتل مورثه ان يرث من مال المورث، لان المادة 333 المذكورة تتعرض فقط لمن قتل، ولا تذكر شيئا بخصوص الذي حاول القتل، وهذا يتعارض مع مقتضيات القانون الجنائي التي تقرر للمحاولة الجنائية نفس عقوبة الجريمة التامة، لذلك نقترح ان يتم النص صراحة على أن الذي أدين بعقوبة جنائية لمحاولته قتل مورته، مثله مثل صاحب الجريمة التامة يُمنع من الإرث في مال مورثه، بشكل تتوافق معه مقتضيات مدونة الأسرة مع مقتضيات القانون الجناني (الفصل 114) ومع باقي التشريعات الحديثة التي لم تغفل هاته المسألة.
4- بخصوص الذي أدين بعقوبة جنائية للضرب والعنف المؤدي للوفاة بدون نية وقصد: في التشريعات المقارنة المحكوم عليه بخصوص هاته الجناية، يًحرم من الإرث في موروثه وان لم يكن هناك قصد ونية القتل، اما في التشريع المغربي يبدو مع الفقرة الثانية للمادة 333 المذكورة سوف يرث من المال دون الدية ويحجب، لذلك وجب ان تُفسر الفقرة الثانية على انها تتعلق بالذي قتل مورثه خطأ بطريقة أخرى غير طريقة الضرب والعنف. اما القتل الخطأ بطريق العنف يجب تفادي هاته الهفوة، والنص في أقرب وقت على أنها أيضا من موانع الإرث.
ثانيا: الجنح
1- بخصوص الذي أدين بعقوبة جنحية لقتله المورث: لا يفرق المشرع في المادة 333 المذكورة اعلاه بين الجناية والجنحة، ذكر فقط القتل كجناية، ولم يذكر شيئا بخصوص القتل المعاقب عليه بعقوبة جنحية، الأكيد أنه في التشريع المغربي سيعاقب بالمنع من الإرث القاتل الذي عوقب بعقوبة جنحية أو جنائية على سبيل الوجوب، لأنه يعاقب على مجرد القتل بالشبهة. في حين أنه في التشريع المقارن هناك من يفرق بين القتل المُعاقب عليه بعقوبة جنائية، والقتل المعاقب عليه بعقوبة جنحية، في الحالة الاولى الوارث القاتل يمنع من الإرث في الهالك وجوبا وبقوة القانون، اما في الحالة الثانية حيث العقوبة جنحية فحرمان الوارث من الإرث يخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع.
2- بخصوص الذي أدين بعقوبة جنحية لارتكابه عنفا بحق المورث أدى الى وفاته بغير قصد: لقد ذكر المشرع المغربي بإطلاق ودون تخصيص “من قتل موروثه خطأ ورث من المال دون الدية وحجب”، ولم يذكر شيئا عن الحالة التي يقتل فيها الوارث موروثه خطأ ولكن بارتكابه عنفا أدين من اجله بعقوبة جنحية، بحيث قد يدخل هذا الوارث في اطار الفقرة الثانية من المادة 333 المذكورة، ويرث ويحجب، لذلك نقترح تعديلا بموجبه يتم التمييز بين من قتل موروثه خطأ بطريقة لم يُمارس فيها العنف ابداً، وبين من قتل مورثه خطأ بارتكابه عنفا في حقه، في هاته الحالة الأخيرة لا يجب ان يستفيد الوارث القاتل من حكم عام بجواز الإرث في مال الموروث دون الدية، بل يجب أن يوكل امره للقضاء فقد ير مناسبا صدور حكم في حقه بالمنع من الإرث اذا صدر في حقه عقوبة جنحية للأفعال المنسوبة إليه.
3- بخصوص الذي أدين بحكم قضائي لإدلائه بشهادة زور ضد الهالك في مسطرة جنائية: لا يذكر شيئا المشرع بخصوص هاته الطريقة في الاعتداء، بمعنى أنه في التشريع المغربي سينجو مرتكب هاته الجريمة من عقوبة الحرمان من الإرث، نقترح ان تُضاف الى المادة 333 هاته الحالة التي يدان فيها المورث لإدلائه بشهادة زور ضد الهالك بمناسبة متابعته في إطار مسطرة جنائية، حيث نصت التشريعات الحديثة على هذا النوع من الجرائم في حق الموروث، وجعلته مانعا من موانع الإرث على سبيل الجواز، بمعنى تخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع. يحكم بالمنع بحسب ظروف كل نازلة على حدة.
4- بخصوص الذي أدين لامتناعه عن منع جريمة او جنحة ضد المورث، ادت لوفاته: لم يشر المشرع المغربي لهاته الطريقة الذكية في قتل المورث، سيفلت في التشريع المغربي الجاني الذي قتل مورثه بهذه الطريقة، لذا وجب تعديل المادة 333 في أقرب فرصة، وتطويرها بشكل يواكب التشريعات الحديثة التي ذكرت هاته الجريمة أيضا كمانع من الإرث، وجعلتها أيضا بيد القضاء قد يحكم بحرمانه من الإرث وقد لا يحكم بحسب ظروف النازلة.
5- بخصوص الذي أدين بالوشاية الكاذبة ضد مورثه، حيث قضى بسببها عقوبة جنائية: في التشريع المقارن لا يرث الوارث الواشي كذبا إذا صدر بذلك حكم قضائي، في التشريع المغربي يرث حيث أن هاته الجريمة في حق المُورث هي أيضا لا ينص عليها المشرع المغربي، لذا وجب أن يتدخل المشرع تشريعا بأن يضيف للمادة 333 جريمة الوشاية الكاذبة في حق المورث الذي قضى بسبب هاته الوشاية عقوبة جنائية، وان تكون على سبيل الجواز، وليس وجوبا كجريمة القتل المعاقب عليها بعقوبة جنائية.
ثالثا: القواعد التطبيقية
1- بخصوص الذي أدين بأحد الجرائم المذكورة لكن الدعوى العمومية لم تمارس ضده لوفاته: يجب ان ينص المشرع على الذي أدين بأحد الجرائم أعلاه لكن الدعوى العمومية لم تمارس في حقه لوفاته، يمكن للقضاء أن يصدر حكما باعتباره ممنوعا من الإرث، لان ذلك سيمنع من انتقال ارثه في المورث الى ورتته، مثلا الذي قتل زوجته ثم قتل نفسه، قانونا يرث فيها باعتبار انه من مات أخيرا، غير انه يُمنع من الإرث لجريمة القتل الثابتة في حقه رغم عدم إمكانية ممارسة الدعوى العمومية ضده لوفاته، وبالتالي تكون التركة كاملة لأهل الزوجة. لم تغفل التشريعات المقارنة هاته الحالة ونصت على أنه يُمنع في هاته الحالة من الإرث في مورثه إذا صدر حكم قضائي بذلك (المادة 727 من القانون المدني الفرنسي).
2- بخصوص الأجل الذي يجب ان يُمارس داخله الورثة دعوى منع الوارث من الإرث: نقترح في ضوء التشريع المقارن ان يكون الأجل ستة أشهر من وفاة الهالك، وإذا كان الحكم بإدانة الوارث لم يصدر قبل الوفاة، فيجب ممارسة الدعوى داخل أجل 6 أشهر من تاريخ صدور حكم الإدانة الحائز لحجية الشيء المقضي به. إذا لم يوجد أي وارث يطلب حرمان الوارث المدان يجب النص على أن النيابة العامة من تتكلف بهاته المهمة (المادة 727-1 من القانون المدني الفرنسي).
3- بخصوص اليوم الذي يجب أن تُرد فيه الثمار والمداخيل التي حازها الوراث الممنوع من الإرث: لم يذكر المشرع المغربي شيئا بخصوص هاته النقطة، في حين تقترح التشريعات المقارنة ان يُلزم الوارث الممنوع من الإرث لاحد الجرائم المذكورة ان يرد الثمار والمداخيل التي حازها من يوم توزيع التركة وليس من يوم إدانته بموجب قرار قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به (المادة 729 من القانون المدني الفرنسي)
4- بخصوص الحالة التي يصرح فيها المورث صراحة انه يريد أن يحتفظ للوارث بحقه في الارث رغم أفعاله الشنيعة في حقه: لم يتعرض المشرع المغربي في المادة 333 المذكورة لهذا السؤال ولم يقدم إجابة، وامام سكوت المشرع قد يعتبر القضاء المغربي انه وصية الهالك باحتفاظ الوارث بحقه في الإرث رغم جريمته في حقه، لا يعتد بها وليس لها أي اثر، والحال ان التشريعات المقارنة نصت على عدم إقصاء الوارث الذي ارتكب فعلا من الأفعال الشنيعة المذكورة أعلاه، يُشترط فقط تصريح صريح في شكل وصية أنه رغم علمه يريد الهالك أن يبقى الوراث المدان مع الورثة، سواء تعلق بأحد الأعمال التي تحرم صاحبها من الميراث على سبيل الوجوب أو على سبيل الجواز (المادة 728 من القانون المدني الفرنسي).
5- بخصوص أبناء وفروع الوارث الذي تسبب في موت المورث: لم يتعرض المشرع المغربي في المادة 333 المذكورة لهاته المسألة، الأمر الذي يعني ان الحكم في التشريع المغربي هو لا يجوز لفروع الوارث الممنوع من الميراث لجريمته بحق المورث، ان ينزلوا منزلة ابيهم، لأنه لا يعترف بهذا الحق لأبناء الأصل الذي مازال حيا، في حين ان القانون المدني الفرنسي (في المادة 729 – 1 ) مثلا تعرض لهاته المسألة واجاز للفروع ان يمثلوا أصلهم الممنوع في تركة من ارتكب في حقه جريمة، بشرط أنه لا يحق للوالد المدان ان يطالب بأي حق حيازة على أموال أبنائه المكتسبة إرثا. من جهتنا لا ننصح المشرع المغربي بهذا الحل، لصعوبة ضبط استفادة القاتل من الإرث من عدم ذلك، وتبقى القاعدة أن التنزيل والتمثيل لا يكون الا بخصوص الأصل الذي توفى قبل أو مع مورثه.
كل هاته الأسئلة تبين هشاشة مدونة الأسرة فيما يتعلق بهاته المسألة الخاصة بحرمان الوارث القاتل من الميراث، وأن التشريع بخصوص هاته المادة قاصر جدا، ويحتاج الى تعديل ومراجعة، بدون حساسية البعض من مسألة تعديل مدونة الأسرة، فكما يظهر من تحليل هاته المادة على سبيل المثال، فعلا هناك أمور تقتضي التعديل والمراجعة مثل باقي النصوص القانونية الأخرى. وهذا ما سنراه القواعد المتعلقة بنصيب بعض الورثة بالفرض.
https://www.hespress.com