تشكل المسؤولية الجنائية لمسيري الشركة وبالضبط جريمة التفالس مثارا جدل قانوني قضائي،يطرح أشكال التكييف القانوني لجريمة التفالس بين مقتضيات مدونة التجارة كقانون خاص ، وبين مقتضيات مجموعة القانون الجنائي كقانون عام في ما لا يرد فيه نص خاص. أين موقع هاته الجريمة بين هدين القانونين ؟ أيهما أولى بالتطبيق ؟ وما دور القضاء في تكييف هذه الجريمة ؟
أسئلة حاولت الإجابة عنها وفق منهج استقرائي ينطلق من تفكيك النصوص القانونية وصولا إلى الآثار المترتبة عن تطبيقها من طرف القضاء بغية وضع تصور تقييمي لموقف القضاء اتجاه هذه الجريمة .
و في هذا الإطار سنسلك لمعالجة هذا الموضوع تقسيما ثنائيا:
نطرح في قسمه الأول: خصوصيات جريمة التفالس
و في قسمه الثاني: نورد موقف الاجتهاد القضائي من تطبيق النصوص القانونية بين مدونة التجارة و القانون الجنائي.
تناولت في الفصل الأول نقطتين أساسيتين : الأولى تتعلق بالمساطر الإجرائية لجريمة التفالس و التي تتوقف على ضرورة افتتاح إجراء المعالجة القضائية من طرف المحكمة التجارية ،استنادا إلى المادة 721 من مدونة التجارة و تثير هذه المسطرة خلافا للمقصود بعبارة “افتتاح إجراء المعالجة” هل يقتصر الأمر على مساطر المعالجة دون مساطر التصفية القضائية أم حالتي التسوية و التصفية معا، و ما يترتب عن ذلك من تفسير القانون تفسيرا ضيقا ثارة و تفسيره تفسيرا واسعا ثارة أخرى، و لرفع اللبس جاء في المشروع الجديد عبارة التصفية القضائية لحل النزاع القائم.
و في نقطة ثانية شدد المشرع المغربي العقوبة المقررة لهاته الجريمة بإقراره لعقوبات أصلية و عقوبة إضافية تتمثل في الحكم بسقوط الأهلية التجارية حينما تتبث جريمة التفالس على مرتكبيها، و تصير هذه العقوبة أكثر تشديدا على مسيري الشركة، إذا كانت أسهم هذه الشركة مسعرة ببورصة القيم و هو ما يشكل ظرفا مشددا لمسيريها.
يثير هذا الفصل الخصوصية التي تتميز بها جريمة التفالس و التي ترتبط بالطابع الإجرائي المتمثل أساسا في اشتراط إجراء افتتاح المعالجة كشرط مسبق لقيام الركن المادي لهاته الجريمة، و هو ما يميزها عن باقي جرائم الأعمال.
و في الفصل الثاني خصصته لتطبيق القضائي للنصوص القانونية التي تعاقب على جريمة التفالس في كل من مدونة التجارة و القانون الجنائي، حيث أثرت فيه مسألتين أساسيتين تتعلق الأولى بالازدواجية التي تطبع هاته الجريمة بين القانون الجنائي و مدونة التجارة، و المسألة الثانية تنطلق من التطبيق القضائي لهاته النصوص.
فيما يتعلق بالمسألة الخاصة بأي من القانونين أولى بالتطبيق على جريمة التفالس، هل الأفضلية في التطبيق تعود لمدونة التجارة كقانون خاص على القانون الجنائي كقانون عام أم العكس؟
يتبين من خلال الدراسة و البحث، على أن جريمة التفالس و إن كانت منظمة بأحكام خاصة في مدونة التجارة، فهذا لا يعني إلغاء مقتضيات القانون الجنائي في الجانب المتعلق بالتفالس. لأن المادة الأخيرة من مدونة التجارة و التي تكون في الهندسة القانونية عادة موضوع النسخ و الإلغاء للمقتضيات المخالفة لها، لم تورد صراحة أحكام القانون الجنائي كموضوع للنسخ أو الإلغاء. و بالتالي فإن كل الآراء التي تنادي بتطبيق الخاص عن العام أو العكس في حالة وجود نص يبقى محدودا.
والمسألة الثانية تتمحور حول موقف القضاء من تطبيق النص القانوني بين مدونة التجارة و القانون الجنائي، و التي كانت موضع تباين في مواقف المحاكم بخصوص هذه الجريمة. فمن خلال إطلاعنا على بعض القرارات القضائية يمكن تصنيف اتجاه القضاء المغربي بخصوص جريمة التفالس إلى اتجاهين:
_الاتجاه الأول: يؤيد فكرة إلغاء مقتضيات القانون الجنائي وبالتالي تطبيق أحكام مدونة التجارة فيما لا يزال.
_الاتجاه الثاني : يتشبت بتطبيق القانون الجنائي على هاته الجرائم مستندا على مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص مادام القانون الجنائى هو الشريعة العامة لزجر المخالفين لأحكامه، فان مرتكبي هذه الجريمة يندرجون تحت نطاق تطبيقه من حيت الأشخاص .
يتبين من خلال هذا الفصل أن مؤيدي تطبيق أحكام القانون الجنائي لا يزال هاجس تشديد العقاب والتشهير بالمفلس طاغيا على توجههم القضائي دون استحضار الهاجس الاقتصادي و الذي ينبني على مبدأ الحفاظ على المقاولة قبل الاهتمام بالعقاب.
إن حل إشكالية هذا البحث بناءا على التحليل القانوني و القضائي لهاته الجريمة دفعنا إلى ضرورة الحسم في ازدواجية تنظيم التفالس بين القانون الجنائي و مدونة التجارة، وما يترتب عنه من تداخل وتضارب بين القضاء المتخصص والقضاء الزجري في العقاب على التفالس وهو ما يستدعي في نظرنا ضرورة تبني مسودة مشروع القانون النائي والتي رفعت اللبس والغموض عن هذه الجريمة من خلال الإحالة بشكل صريح على مقتضيات مدونة التجارة المجرمة للتفالس.